يمكن للإعلام أن يكون يدا فاعلة في شق الطريق نحو تحقيق رؤيتنا للمستقبل من خلال التخطيط الإعلامي الدقيق الذي يدرس الوضع الراهن بدقة، ويضع الأهداف المستقبلية مع تحديد آلية الوصول إليها بالاستناد إلى برنامج زمني دقيق وواضح، دون إغفال للعقبات والتحديات التي قد تعرقل سير الخطة، كما يتنبأ بالتكلفة التقديرية المتوقعة، على أن يكون نموذج التخطيط قابلا للقياس والتقييم، ويوازن بين الموارد البشرية والتكلفة والأهداف المرجوة.
يهدف التخطيط الاستراتيجي للإعلام -بشكل أساسي- إلى تحديد المكانة المستقبلية للجهة الإعلامية، من خلال عدة مراحل تبدأ وهي كتالي:
المرحلة التحضيرية حيث يتم اختيار فريق من المتخصصين في مجالات الإعلام، التسويق، التقنية والموارد البشرية، ويرأسهم خبير متخصص في الإدارة والتخطيط، مع تسخير كافة الإمكانات لمساعدتهم في أداء أعمالهم على أكمل وجه.
وفي المرحلة الثانية وهي مرحلة التحليل الاستراتيجي، يتم اختيار بعض الأدوات والنماذج التي تساعد الفريق على التخطيط بدقة وفاعلية، مثل:
- نموذج SWOT Analysis وهو أحد أدوات التحليل الاستراتيجي التي تدرس أربع نقاط أساسية وهي: نقاط القوة، نقاط الضعف، الفرص المتاحة، والتهديدات المحتملة.
- – نموذج PESTEL وهو أداة عمل استراتيجية تسمح للمؤسسات بدراسة تأثيرات العوامل المختلفة (السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، التقنية، البيئية، القانونية) على أعمالها في الوقت الراهن وفي المستقبل
- – نموذج بورتر: والذي يدرس القوى التنافسية الخمس في إطار تحليلي للميزات التنافسية والعلاقات المتبادلة مع السوق.
- نموذج تحليل المنافسين: وهو نموذج إحصائي يدرس المنافسين ونقاط ضعفهم وقوتهم وحصصهم السوقية تبعا للوزن المعياري.
والمرحلة الثالثة تأتي رسم التوجهات الاستراتيجية عن طريق تحديد الأهداف والغايات التي نسعى لتحقيقها مستقبلا، ثم وضع المقاصد العامة والاتفاق على القيم والمبادئ الحاكمة للخطة مثل الشفافية وغيرها، وبعد ذلك يتم كتابة الرسالة وهي بمثابة كبسولة تجمع في جملة واحدة بين الغايات والقيم وتحدد الفئة المستهدفة وتمنحها شعورا بالفخر والاعتزاز، وبعدها يمكن صياغة الرؤية وهي انعكاس للصورة الذهنية في نقطة زمنية محددة؛ كأن نصبح مثلا المؤسسة الصحفية الأولى في المملكة في عام كذا. وفي النهاية يتم تسجيل الأهداف الأساسية وما ينبثق عنها من أهداف ثانوية تبعا لمؤشرات تجعلها قابلة للقياس والتقييم مثل إجمالي الأرباح أو الترتيب بين المنافسين وغيرها.
وفي المرحلة الرابعة يتم بناء نموذج العمل الاستراتيجي على أن يحدد مجالات العمل الرئيسية مثل الصحافة ومراكز المعلومات بالنسبة للمؤسسات الإخبارية مثلا، كما يحدد وحدات العمل الرئيسية كالمجلات الشهرية أو الجرائد اليومية وغيرها، ويضع في الاعتبار تعيين إدارات عمل خاصة لكل وحدة مع منحها كافة الصلاحيات اللازمة وتحديد ميزانية تضمن لها أداء دورها المخطط له على أكمل وجه، ويتم قياس أداء مؤشرات نجاح كل وحدة على حدة.
والمرحلة الخامسة وهي مرحلة تحديد آليات العمل والمبادرات الاستراتيجية، وتتضمن كل ما يتعلق بسياسات وإجراءات وآليات العمل من الناحية الاستراتيجية فقط مثل: هل استئجار غرفة بث هو الخيار الأفضل أم بنائها! بالإضافة إلى المبادرات التي تسهم في تطوير جهة العمل مثل التحول الرقمي، على أن ترتبط كل مبادرة بهدف واحد أو أكثر ضمن أهداف الخطة.
وفي المرحلة السادسة يجب تقييم الأداء التخطيطي باستخدام نموذج SWOT لكل وحدة وتحليل السوق والمنافسين ومقارنة الوضع الفعلي الحالي بالوضع المقدر في الخطة وخلق جسر يضيق الفجوة بين الموقف الفعلي والمخطط له.
والمرحلة السابعة هي مرحلة دراسة المخاطر ووضع خطط بديلة للطوارئ تفترض كافة الأزمات المتوقعة والتي من شأنها التأثير سلبا على سير الخطة وتحقيق الأهداف، كاستقالة أحد أفراد الفريق مثلا، وتقييم هذه المخاطر تبعا لدرجة تأثيرها فإذا كان الخطر المتوقع جسيم واحتماليته كبيرة فيجب إعادة الخطة أما إذا كان الخطر كبير ولكن احتماليته ضعيفة فتوضع خطة بديلة (خطة طوارئ).
وفي المرحلة الثامنة تأتي مرحلة التجهيز للتنفيذ وتتم فيها جدولة الرؤية ضمن برنامج زمني محدد مع تقسيم مؤشرات تحقيق الأهداف لكل سنة ووضعها في جدول تفصيلي لكافة وحدات العمل الرئيسية.
وفي الختام نؤكد على أن الإعلام قوة فتاكة تحتاج إلى تخطيط دقيق وفعال لتحويله إلى معول بناء وأداة رئيسة تجمع الشعب وقيادته على قلب رجل واحد لتحقيق رؤيتنا لوطننا الغالي وبناء المستقبل الذي نحلم به، وإذا كان الإعلام هو صناعة الأثر؛ فإننا نطمح أن نترك لأبنائنا أثرا يفخرون به.