ويليام هوارد رَسِل 1820- 1907
القصة:
كان في عام 1854 بريطانيا القوة العظمى في العالم، فهي تحكم إمبراطورية تضّم كندا والهند والمستعمرات الغربية وأستراليا، ولن تلبث أن تشرع في ضمّ أجزاء كبيرة من إفراقيا، غالبية سكانها يؤمنوه بالله والوطن ويحق الأثرياء وذوي الأصل النبيل في شراء طريق دخولهم وخروجهم من طبقة ضباط الجيش.
في 1844 كانت أول مهمة تسند إلى رسل، وكاد أن يفصل عن عمله، وهو أنه أرسلته الصحيفة إلى دبلن ليغطي محاكمة الزعيم الإيرلندي دانييل أوكونيل بتهمة التحريض على العصيان وكان هذا الحدث واحداً من أهم أحداث ذلك الوقت، ولأن هذا كان قبل أيام التلغراف، فإن الطريق الوحيدة لوصول أخبار الحُكم إلى لندن بسرعة كانت أن يوصلها المرء على هناك نفسه، ولهذا ، فقد اتخذت صحيفتا التايمز والمو رننغ هيراللد الكبيرتان ترتيبات محُكمة لإيصال المراسلين إلى بر الرئيس، فاستأجرتا مراكب بخارية وقطارات خاصة وعربات أجرة.
كانت وسائل النقل هذه جميعها تقف على أهبة الاستعداد عندما انسحب هيئة المحلفين للتشاور، ذات سبتٍ في أواخر شهر آب، غادر باقي الصحفيين لتناول المرطبات، إذ توقعوا مدة انتظار طويلة، وجلس رسل خارج الهمحكمة يقلّب التفكير فيما يتعين عليه فعله.
عندما اندفع صوبه رسوله الفتى، وأخبره أن هيئة المحلفين تلتئم ثانية، عاد رسل إلى قاعة المحكمة، وسمع رئيس المحلفين يتلو الحكم بالذنب، واندفع خارجاً عاقد العزم على أن يكون أول صحفي يعود إلى لندن بهذا الخبر ويحقق السبق لصحيفته، قفز في عربة، ثم استقل قطاراً خاصاً إلى مرفاأ كينغستون، وسعد على متن المركب الذي استأجرته التايمز، وفي نصف ساعة كان المركب قد استجمع بخارا يكفي لينطلق متجها إلى الشاطئ الويلزي، وبينما غادر المركت،مركب ال هيرالد لا يزال راسياً في الميناء، وجاءته الحماس بأن سينفرد بالخبر، ومن ثم استقل القطار الخاص إلى لندن، وحاول أن يغفو، بيد أنه لم يقدر بسبب جزمته الضيقة، فخلعها، ووصل إلى لندن بعد سبع ساعات، وقذف بنفسه عاري القدمين في العربة المنظرة، ثم أخيراً، وقد انتعل فردة جزمته وتأبط الأخرى، ركض مسرعاً داخل فناء مبنى التايمز.
بعد سنوات روى رسل ما جرى بعدئذ: “عندما دخلت فناء دار الطباعة، دنا مني رجل يرتدي قميصاً ظننت أنه ضارب الآلة الكاتبة في الصحيفة، وقال: سعيد لرؤيتك وقد عدت سالماً سيدي، إذا، فقد وجدوه مذنباً، أجبته: “نعم، مذنب يا صديقي”.
لسوء الحظ، لم يكن الرجل الذي التقاه رسل ضارب الآلة الكاتبة في الصحيفة، بل مراسلاً يعمل لحساب المنورننغ هيرالد، وهكذا قدم رسل الشاب السبق الصحفي للصحيفة المنافسة على طبق من فضة ونشرته للتوّ، وبمقدورنا الحكم على بعضٍ من المهرج الذي اعتمل التايمز من الملحوظتين الغاضبتين اللتين أرسلهما إليه موربر ي بل، مدير الصحيفة. تقول الأولى، على نحوٍ منذر بالشؤم: “أفسدت أمر على نحو بالغ السوء ولا بدّ من البحث في ذلك بالتفصيل”.
أما الثانية، التي خُطت بعد أن أنقذ المحرر عنق مراسله الشاب، فبدأت على النحو الآتي:”كدت أن تقطع علاقتك بن بحماقتك”. وتابعت:”دعني أحذرك بأن تُبقي فمك مغلقاً وعينك مفتوحتين..كنا سندفع مئات الجنيهات لنمنع كلماتك القليلة ليلة أمس”. استمر رسل، الذي وُبخ أشدّ التوبيخ، بيد أنه أُنقذ، في عملة ليغطي خبر حرب القرم، والتمرد الهندي، والحرب الأهلية الأمريكية، والحرب الفرانكون(بروسية) وحرب السودان والزولو.
فهو أسس المراسلة الحربية، التي لم يتعهد عليها العالم في تغطيته للحروب، فهو كشف للناس ما ينقص الجيش من إمدادات وكشف نتائج الحروب من أرض الواقع.
الفكرة:
على أي وسيلة إعلامية أن تتريث في أخطاء صحفييها، ولا تستغني عنهم بسهوله، لأن الخطأ وارد طالما أن هناك عمل، ربما يحقق الصحفي ما تعجز عنه الصحيفة، مثل الصحفي رسل الذي انشأ المراسلة الحربية، وسجل هذا الإنجاز لصحيفته التايمز.